نص الحديث:
«يا أباذر إنّ اللهِ تباركَ و تعالى لا ينظرُ الى صوركُم و لا إلى أموالِكُم ]و أقوالِكُم[ و لكن ينظرُ إلى قلوبكُم و أعمالكُم. يا أباذر، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا» و أشار الى صدره.»(1)
شرح الحديث:
لكلّ شيء ظاهر و باطن في هذه الدنيا التي نعيش فيها على العكس من يوم القيامة «يوم البروز» و «يوم الظهور» حيث يتحد الظاهر مع الباطن. الانسان الذي يعتبر جزءاً من هذه الدنيا غير مستثنىً من هذه القاعدة فيملك ظاهراً و باطناً، و فوق كل ذلك للقرآن ظاهر و باطن أيضاً. الآن يطرح هذه السؤال: أيهما ملاكاً و معياراً؟ هل المعيار هو العمل بالظاهر أم الباطن؟
يخاطب النبي الكريم(صلى الله عليه وآله) في هذا القسم من حديثه أباذر الغفاري و يقول بشأن الانسان كحد أدنى: أنّ الله لا ينظر الى صوركم وظاهركم و أقوالكم، بل ينظر الى شيئين: 1ـ قلوبكم; 2ـ أعمالكم.
هذه الجملة تبيّن رأي الشارع المقدس، و هي في الحقيقة نوع من الدستور الدائم للمسلمين. قول الرسول مسألة جذرية و يرتبط بالنظر، و يستعمل في تمام المسائل الاسلامية مثل العلوم الانسانية، علم الاجتماع، علم الأفراد و ...
لا ينظر الله الى الظواهر في البشر، بل ينظر الى الباطن والقلوب و الأعمال المرتبطة به، لأنّ الشي المستقر في القلب يظهر أثره في الأعمال الظاهرية، إذن ينظر الله جل جلاله الى الأعمال الي تعتبر شاهداً صادقاً للقلوب لا الى الكلام الذي يمكن تبدله بكثرة، لأنّنا لو أردنا المحاسبة وفق المعيار الظاهري لم نتمكن من معرفة أنفسنا و لا معرفة الآخرين، لأجل أنّ الادّعاءات في الدنيا كثيرة، و لو كانت الأعمال تُصلح بالادعاء و التظاهر لكانت قد صلحت. عندما يصغي الانسان إحياناً الى إدعاءات الآخرين وزعمهم يلاحظ مدى عظمة تلك الادعاءات، مع أنّه لو نظر الى ظاهرهم لعرف ما أكثر تلك الوجوه التي أخفت أنفسها تحت غطاء المؤمن و المتقي و ...، في الوقت الذي لا يشكل أولئك سوى شكل و ادعاء و تظاهر و كلام أجوف و عديم الجدوى.
الخلاصة إنّ الله تعالى ينظر الى أعمالكم و قلوبكم لذا يجب إصلاحهما. الجملة التالية مكملة لذلك حيث قال الرسول(صلى الله عليه وآله): ليس مركز و محل التقوى اللسان أو مركزها في الوجوه التي تجري الدموع فيها ظاهراً، بل القلب مركز التقوى ثم تتفرع غصونها من هناك و تمتد جذورها الى جميع أعضاء و جوارح البدن و تترسخ في تمام حياة الانسان فيظهر جميع شيء لدى الانسان مصبوغاً بصبغة التقوى. بناءاً على هذا لايجب تصور التقوى مجرد لقلقة لسان، لأنّ هناك عوامل تؤدي أحياناً الى امتلاك الانسان تصوراً مقلوباً. فيما يتعلق بتجويد و قراءة القرآن، برغم أنّ الدورات المقامة و الكتب المؤلفة في هذا الموضوع جيدة لكنّ المهم أن نعلم أنّ الألفاظ مقدمة لموضوع أرفع من ذلك، و ليس الألفاظ هي الهدف النهائي ،لكون هذه الألفاظ القرآنية تحظى بكل هذا الاحترام بسبب مضمونها و قدرتها العلمية; فهل أنّنا نولي اهتماماً لمضمون تلك الألفاظ بمقدار ذلك الاهتمام الذي نبديه لقراءة و تجويد القرآن؟
لأنّ القراءة و التجويد لو لم تكن مقرونةً بالعمل بالقرآن و فهمه و دركه فما هي الفائدة فيها؟ لما بدأ المرحوم العلامة الطباطبائي (قدس سره) تفسير القرآن اعتبر الكثير أنّ ذلك دليل على جهله و قالوا: إنّه لايحظى بالعملية لأنّه لم يدرس البحث الخارج. كان المرحوم العلامة (ره) قليل الكلام لكنّه كان تنبري أحياناً لطرح بعض المواضيع نتيجة الحرقة و الحرارة الداخلية له، فهل من اللائق الآن التعامل بهذه الطريقة مع أصل الاسلام. على كل حال المعيار في الاسلام هو القلب و الأعمال، و الله ينظر الى هذين الاثنين.
لقد طرح موضوع كتاب الأعمال في العديد من الآيات القرآنية و الروايات، حيث يستنتج من مجموعها أنّ أعمال الانسان بجميع تفاصيلها تسجل في صحيفة، و يعطى هذا الانسان يوم البعث و النشور صحيفة أعماله بيمينه إن كان من المحسنين، و ان كان من المسيئين أعطي بشماله.
نقرأ في صورة الحاقة الآية 19: «فأمّا مَن اؤتيَ كتابُهُ بيمينِهِ فيقولُ هاؤُمُ اقرأوا كتابيَه»،و نقرأ في الآية 25 من نفس السورة: «و أمّا مَن أوتيَ كتابُهُ بشمالِهِ فيقولُ ياليتني لم أوتَ كتابَيهْ».
كذلك نقرأ في الآية 49 من سورة الكهف: «و وُضعَ الكتابُ فترى المجرمينَ مشفقينَ ممّا فيهَ و يقولون ياويلتنا مالِ هذا الكتاب لايغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً و لايظلمُ ربُّكَ أحداً».
نقرأ حديثاً عن الامام الصادق(عليه السلام) في ذيل الآية 14 من سورة الأسراء: «يذكُر العبدُ جميعَ ما عملَ و ما كُتبَ عليهِ حتّى كأنّهُ فعلَهُ تلكَ الساعةِ، فلذلكَ قوله: «ياويلتنا ما لهذا الكتابِ لا يغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ حصاها»»
و هنايطرح هذا السؤال نفسه: ما هو هذا الكتاب؟ و كيف يكون؟
بلاشك هو ليس من جنس الكتاب و الدفتر و الصحيفة العادية، لذا قال بعض المفسرين: ليست صحيفة الأعمال المذكورة سوى «روح الانسان» التي تسجل آثار جميع الأعمال فيها، لأنّ أيّ عمل نقوم به يترك أثراً على روحنا شئنا أم أبينا.
أو تكون صحيفة الأعمال أعضاء جسمنا حتّى جلدنا، والأكثر من ذلك أن تكون الأرض والجو و الفضاء الذي ارتكبنا فيها تلك الأعمال، و لأنّ أعمالنا بالاضافة الى كونها تُرسم في جميع ذرات أجسادنا تنعكس في الأرض و الجو أيضاً.
برغم عدم إمكان إدراك هذه الآثار و الشعور بها في هذه الدنيا، فهي موجودة بلاشك، و سوف نستطيع رؤية و قراءة جميع تلك الأعمال في يوم نحصل فيه على بصر جديد .
لا يجب أن يصرفنا التعبير بـ «القراءة» عما ذكر في التفسير المذكور آنفاً، لأنّ للقراءة معنىً واسعاً يشمل كل أنواع المشاهدة بمفهومها الواسع; مثلا نقول أحياناً في التعابير اليومية: قرأت ما قرر في عينيه، أو قرأت بقية العمل الفلاني الذي صدر من الشخص الفلاني، كذلك يروج اليوم التعبير بالقراءة حول صور الأشعة التي تلتقط للمرضى .
و على هذا لا يمكن إنكار خطوط صحيفة الأعمال المذكورة في الآيات 13 ـ 15 من سورة الاسراء، لأنّ الآثار الواقعية و التكوينية هي نفس العمل، و هذا يشبه تماماً صوت الانسان المسجل على شريط أو الصورة المأخوذه له أو بصمة إصبعه.