مـرآةُ ولايـة الله
أسـماء الله جلّ جلاله إن الله سبحانه وتعالى تجلّى بأسمائه وصفاته في الخلق كما تجلى بألوهيته في القرآن الكريم، حيث أنّ القرآن هو الجامع لجميع صفاته الكمالية وأسمائه الحسنى وفيه تبيان لكلّ شيء. وكلما كانت الأسماء نابعة عن الذات، كان للتجليات والمظاهر الدوام والبقاء لأنَّ الله هو الباقي قال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ)(الرحمن/26،27). وقال تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(القصص/88). ومن ناحية أخرى اسم الأعظم هو "الله" سبحانه وتعالى وهو الكلمة العليا المشتملة على رموزٍ وأسرار من ناحيتين، لفظيَّة ومعنويَّة، فمن البعد اللفظي هي كلمة دالَّة على تلك الذات المنزَّهة من جميع العيوب، والمتحلِّية بجميع المحاسن، والجدير بالذكر أنَّها باقية على ما عليها من المعنى مهما نقصت منها الحروف، فلو كانت كاملة فهي "الله". قال تعالى: (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)(البقرة/255).
ولو أخذت الألف منها صارت "لله" قال تعالى: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض)(آل عمران/189)
ولو نقصت الألف واللام الأولى صارت "له" قال تعالى: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)(البقرة/116)
وفي صورة ما لو نقصت الألف واللاّمان صارت "هـ" أو "هو" قال تعالى: (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(البقرة/37) وقال جلَّ وعلا: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)(الإخلاص/1). فلاحظ السرّ المكنون في هذا الإسم، فهو يدلّ على نفس المسمّى في جميع الحالات وكافة الاحتمالات. وأما سائر الأسماء سواء أسماء الذات منها أو أسماء الفعل، كالملك والقدوس والسلام والمؤمن والمهيمن والعزيز والجبار والمتكبر والخالق والباريء والمصور وكالشافي والوافي والمعافي والغفور والرحيم فلكلُّ واحدة منها شأن ومنزلة رغم أنَّها جميعاً نابعة عن تلك الذات ومظاهر ذلك الواحد الأحد ولذلك نشاهد جملة (هُوَ اللَّهُ) في موارد ثلاثة قبل ذكر الصفات في قوله تعالى: (هُوَ الله الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَــوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم)(الحشر24:22). وكذلك في سائر الصفات كرِّرت كلمة "الله". سورة التوحيد: وعلم الأسماء من أهم العلوم وأعمقها، ومن خلاله يصل العارف إلى علومٍ لا حدَّ ولا حصر لها، فالكلام عن أسمائه تعالى بالتفصيل يتطلَّب بحثاً مستقلاً لسنا بصدد بيانه في هذا المختصر، فنقتصر بالحديث التالي المنقول في الكافي للمحدِّث الكليني رضوان الله تعالى عليه:((علي بن إبراهيم عن أبيه عن النضر بن سويد عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن أسماء الله واشتقاقها، الله مما هو مشتق قال: فقال لي: يا هشام: الله مشتق من إله والإله يقتضي مألوها والاسم غير المسمَّى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد، أ فهمت يا هشام؟ قال: فقلت: زدني قال إن لله تسعة وتسعين اسماً، فلو كان الاسم هو المسمَّى لكان كلّ اسم منها إلهاً، ولكن الله معنىً يدل عليه بهذه الأسماء، وكلُّها غيره، يا هشام: الخبز اسم للمأكول، والماء اسم للمشروب، والثوب اسم للملبوس، والنار اسم للمحرق أ فهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله جلَّ وعزّ غيره قلت: نعم قال: فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام، قال هشام فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا))(الكافي ج1 ص87 روايه2). الولـيّ إسم شامل الولـيّ هو اسمٌ من أسماء الله الشامل لجميع الأزمنة، والمحيط على جميع الموجودات، وقد وصف الله نفسه بالولي في آيات كثيرة قال تعالى: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)(آل عمران/68). (وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)(البقرة/286). (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ)(التوبة/51). (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)(الأنفال/40). بخلاف كلمة الرسول فهي ليست من أسماء الله، بل عندما يبعث سبحانه رسولاً إلى أمّة من الأمم، فحينئذٍ يتصف ذلك الشخص المرسَل بهذه الصفة. فالرسالة ليست من مظاهره سبحانه، تلك المظاهر التّي لها الاستمرارية والأبديّة. ومن هذا المنطلق اختُتمت الرسالة دون الولاية، فهي أبدية، ولها الاستمرارية والبقاء. ومن هذا المنظار تكون الولاية أعظم من الرسالة والنبوّة، وأشمل منهما، وبطبيعة الحال هي أفضل، وإنّما صار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم هو الأفضل من سائر الأنبياء والأولياء فلأنَّه تحلَّى بكلا المقامين، فهو صلى الله عليه وآله وليٌّ مطلق ثمَّ رسول خاتم. الولايـة والحكم لله الولاية بالأصالة إنّما هي لله تعالى، حيث أنه هو الخالق الموجد للكون بإرادته الأزلية: (إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(يس/82)
ومن هذا المنطلق صارت الولاية لله: (هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ...)(الكهف/44) والحكم لله: (إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ)(الأنعام/57). (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)(المائدة/47) والعزَّة لله جميعاً: (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)(فاطر/10) وكل من يريد أن يتولى الآخرين لا بدَّ وأن يكتسب الشرعية منه تعالى، وإلا فلا اعتبار لولايته أصلا ، وحيث لا ولاية، فلا قدرة ولا قوة ولا عزَّة. ولايـة الأنبـياء هناك عدد خاص من الأنبياء قد اكتسبوا الولاية من الله عزَّ وجلَّ، وذلك في إطار خاص حسب مرتبة النبي لاختلاف مراتبهم: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ...)(البقرة/253). داود عليه السلام خليفة الله إنَّ الله سبحانه يخاطب داود النبي بقوله: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ)(ص/26) فكان هو نبياً لأنَّ الله خاطبه قبل أن يتحلَّى بمنصب الخلافة الإلهيّة، فلم يؤذن له أن يحكم بين الناس إلاّ بعد وصوله إلى هذه المرتبة، ومن هنا نشاهد أنّه سبحانه يُفرِّع الحكم على الخلافة بقوله: (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) إمامة إبراهيم عليه السلام قال تعالى: (وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين)(البقرة/124). ولم تكن هذه الابتلاءات هينة، بل كانت شاقة للغاية، فبعد إتمامها أصبحت نفس إبراهيم مهيأة لقبول تلك المرتبة السامية، أعني الإمامة والولاية. إبراهيم محطم الأصنام ولأهمية هذا الامتحان ينبغي لنا أن نتحدّث عنه شيئاً فنقول: بعد أن أتى إبراهيم الخليل ربَّه بقلب سليم وفطرة صافية سأل قومه مستغرباً ومتعجباً: (مَاذَا تَعْبُدُون)(الصافات/85). وهذا النوع من الاستغراب أمر طبيعي، حيث أنَّ الشرك هو أمر غريب عن فطرة الإنسان وهو إفك وبهتان، ومن هنا قال: (أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُون فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)(الصافات/86،87). فكيف يواجههم ليُقنعهم؟! لا توجد طريقة غير ترك الحوار والنقاش معهم فالحلّ الصحيح الإلهي يتطلب أن يخلّى ونفسه وأن يواجه بنفسه هذا الإفك المبين: (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ)(الصافات/88،89). فلا أقدر الخروج معكم والمشاركة في عيدكم، وربما استدلَّ بالنظر في النجوم على وقت حمى كانت تعتريه فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ وأراد من ذلك أنَّه قد حضر وقت السقم وقرب نوبة العلَّة، فكأنه قال إني سأسقم لا محالة وحان الوقت الذي يعتريني فيه الحمى، وقد يسمى المشارف للشيء باسم الداخل فيه، قال الله تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)(الزمر/30) وشاهد ذلك أنَّ القوم كانوا يعتمدون على النجوم كثيراً، فقد ورد في شأنه: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)(الأنعام/79:75). فهو عليه السلام انطلق من نفس ما يعتقدونه ليجرُّهم إلى التوحيد (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) وخلَّفوه في المدينة وحيداً فاغتنم هذه الفرصة الذهبية (فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ) وذلك بالغيظ والسخرية (فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ) وأراد منهم أن يأكلوا تلك الأطعمة والثمار التِّي عرضت عليهم من قِبل الجهلة، وجعلت أمامهم في أيام العيد (مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُون) وهاهنا يأتي دور الحركة والفعل بدلاً من القول (فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِين فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) أي يسرعون الخطى، فجعل يصرخ في وجه هؤلاء المشركين ويخاطبهم ببيان فصيح لا غبار عليه (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) وهل يكون المصنوع المنحوت خالقاً ليكون ربًّا؟ (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) فكل وجودكم حتَّى أعمالكم التَّي هي من عوارض وجودكم ومن شؤونه مخلوقة لله تعالى (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) فهم عزموا على قتل إبراهيم ومحوه من البسيطة بالمرّة ليجعلوه من الأسفلين (فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأسْفَلِينَ). هذا بداية ما امتحن به إبراهيم عليه السلام، وهكذا استمرّت الامتحانات، و كان من أعظمها القرار الحاسم لذبح إسماعيل ابنه الذي كان عطاء الله له في الكبَر استجابة لدعائه، ثمَّ الهجرة إلى وادٍ غير ذي زرع ، وبناء البيت حيث يقول: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)(إبراهيم/37). فبعد نجاحه عليه السلام وإتمامه لجميع تلك الكلمات قال تعالى مخاطبا له: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين)(البقرة/124). وفي حديث الكافي: ((محمد بن سنان عن زيد الشحام قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنَّ الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عليه السلام عبداً قبل أن يتَّخذه نبيّاً، وإن الله اتخذه نبيّاً قبل أن يتَّخذه رسولا، وإن الله اتَّخذه رسولا قبل أن يتَّخذه خليلاً، وإن الله اتَّخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً، فلما جمع له الأشياء، قال: إنّي جاعلك للناس إماماً. قال عليه السلام: فمن عِظمها في عين إبراهيم قال: ومن ذرِّيتي! قال: لا ينال عهدي الظالمين)) (بحار الأنوار ج12 ص 12 رواية36 باب1). عصمة الإمام فكلّ من يصدر منه ذنب صغيراً كان أو كبيراً فهو ظالم لنفسه، هذا في غير الإمام أما لو كان إماماً فهو ظالم لنفسه ولغيره ممن يأتمّ به، بالإضافة إلى أنّ الأمّة سوف تفقد حينئذٍ الاطمئنان به، فلا يمكن أن يصدر من الإمام ذلك، لأن فيه نقضاً للغرض الذي من أجله نُصب الإمام، وهو محال في حقه تعالى. وأيضاً لا يمكن أن يتصور صدور الذنب منه حتى في الخفاء، لأن الذنب ينقص من شأن الإنسان ويورث حزازة فيه، فلا تكون فيه الأرضية لتقبّل الوحي أو الإلهام أو الكرامة، فالإمامة ليست هي إلاّ انعكاس صفات الله الجمالية والجلالية في مرآة قلب الإنسان الكامل. وكذلك بالنسبة إلى الأفعال الأخرى التي لم تصل إلى مرحلة الذنب فالميزان فيها هو الاطمئنان، فكلُّ أمر يوجب سلب اطمئنان الناس عنه فمن المحال صدوره من المعصوم، وأمّا ما لا يؤدِّي إلى سلب الاطمئنان فلا مانع من إتيانه، وإن كان ظاهره عملاً لا يُرغب فيه، وعلى ضوء ذلك صارت درجات الأنبياء متفاوتة. محمد صلى الله عليه وآله وسلم وليّ ورسول وأمّا ولاية نبيّنا محمد صلى الله عليه وآله فهي الولاية العظمى على جميع الخلق آدم فمن دونه حيث أنّ: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(الاحزاب/6). فمادام هو ولياً على أنفس الناس، فولايته صلى الله عليه وآله على أموالهم وسائر شؤونهم بطريق أولى، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا)(الاحزاب/36). أنظر إلى شدَّة التعبير في الآية الكريمة، فلا خيرة للمؤمنين في قبال قضائه صلى الله عليه وآله وسلَّم، وعصيانه هو عصيان الله وهو الضلال المبين. وقال: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(النساء/65). وفي هذه الآية ثلاث مراحل مترتِّبة: 1 أن يكون الرسول هو الحَكم لا غيره. 2 أن يتقبَّل المؤمن بكلّ ما حَكم به الرسول من صميم قلبه وعمق ذاته. 3 أن يُسلّم أمره إلى الرسول ولا يتخطى عن أمره مثقال ذرّة. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)(النساء/59) عليٌّ عليه السلام هو الولي مضافاً إلى النفس القدسية والصفاء المنقطع النظير، والأرضية المميّزة الكامنة في شخصيَّة أمير المؤمنين عليه السلام التّي تفضِّله على جميع الأنبياء والأوصياء ما عدا خاتمهم. وهناك أدلّة نقلية كثيرة من الكتاب والسنة تثبت صحة ما نذهب إليه، فآية الولاية والإطاعة والبلاغ والسؤال ومئات من الآيات، وأيضاً حديث المنزلة والسفينة ومئات من الأحاديث هي من أعظم الأدلَّة على أنّه هو الوليّ المطلق بعد الرسول صلى الله عليه وآله، ولوضوح دلالتها ومضمونها لم نتطرق إليها هاهنا، إلاّ أننا نحاول أن نتوسَّع شيئاً ما في خصوص حديث الغدير وبعض من الآيات التي نزلت في شأن تلك الواقعة العظيمة، وقد أفردنا له عنواناً خاصاً وهو النعيم الإلهي.