أحوال الدنيا
عن علقمة بن الحصين قال: سمعت فيس بن عاصم المتقري يقول: قدمت على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في وفد من جماعة من بني تميم، فقال لي: اِغتسل بماء و سدر، ففعلت، ثم عدت اِليه و قلت: يا رسول الله، عظنا عظة ننتفع بها، فقال: يا قيس، اِن مع العز ذلا، و ان مع الحياة موتا، و ان مع الدنيا آخرة، و اِن لكل شىء حسيبا، و على كل شىء رقيبا، و ان لكل جنة ثوابا، و لكل سيئة عقابا...(1)
الشرح:
من خصائص تغير أحوالها; أي أن الدنيا و كذلك الانسان - الذي يعتبر جزءا من الدنيا - لا تدوم على حال; الأمر الذي يحطم غرور الانسان; لأن آفة الانسان و مصيبته في غفلته، و لو لا غفلته لما لبس بهذه السهولة لباس الذل و لما قارف الذنب. و زبدة الكلام فان الغفلة أساس بؤس الانسان و شقائه، و لذلك حثه الاسلام على الطرق و الاساليب التي تحول دون تلك الغفلة و الاغترار بالدنيا.
عوامل اِزالة الغرور و الغفلة:
م - يمكن لتغير أحوال الدنيا أن توقظ الانسان و تجعله متواضعا. فاذا اِلتفت الانسان اَن بعد كل عزة ذلة و سلامة و عافية بلاء و سقما و بعد كل أمن خوف و بعد كل شباب كهولة، شعر بالتواضع و زال عن روحه غبار الغفلة. يجب على الانسان اَن يعلم بان المال و القدرة و سائر المواهب الدنيوية ليست باقية و انها ستسلب منه يوما شاء اَم اَبى. فالواقع كذلك لأن الدنيا لا تدوم على حال و هي دائمة التبدل من حال اِلى حال، و عليه فهي دار مقر و عبور، و دار سفر و رحيل، و لا يبقى سوى وجه الله و ذاته المطلقة القدسية.
ن- اِن الطاعة و العبادة تحد من الغرور و الغفلة; فالصلاة تذكر الانسان بالله و تذهب بالغفلة. هنالك من يستاءل اِلى متى الصلاة؟ و لابد من القول: لابد من الصلاة ما دمنا في هذه الدنيا، نحن بحاجة الى الصلاة، و علينا أن نمد يد الحاجة اِلَى الحق في صلاتنا فنسأله الشفاء من أمراضنا، نعم فالصلاة توقظ الانسان و تزيل غفلته.
ج- المصائب و النوائب هي الاخرى تزيل غفلة الانسان. فالنوائب تبدو كبلاء للوهلة الاولى فاذا اِمعنا النظر فيها رأيناها نعمة; بعبارة أخرى فان البلاء جانب من القضية، أما جانبها الاخر فهو الفرح و السرور. لقد شبه أحد الخطباء القدماء هذا الأمر بقوله: لو كان الشارع الذي يسلكه السائق معبدا مستويا خاليا من المنعطفات لاستولى التوم و النعاس عليه، بينما يشعر باليقظة اِذا ما صادقه منعطف، و من هنا يعمدون اِلى وضع الحواجز التي تخفف من السرعة في الشارع تحاشيا لنوم السائق. و هذا هو دور المصيبة، فظاهرها العذاب و باطنها الرحمة. الموضوع الاخر الذي أشارت له الروايات هو ضرورة ايمان الانسان بوجود المراقب الذي يحص عليه ما صغر من اَعماله و ما كبر حتى نفسه الذي يتنفسه، فيكتب عليه ذلك--- و بالطبع فان الله الرقيب الاول ثم الملكين، بل الارض و الاعضاء و الجوارح كلها شهود يوم القيامة على الانسان. بل لدينا الاحاديث التي تصرح بشهادة الايام على أعمالنا و اَقوالنا، و الخلاصة لابد من العلم باننا نخضع لمراقبة شديدة.